لقد قدمت الأراضي الرطبة الساحلیة للبشریة، منذ فجر التاریخ، فوائد وخدمات عدیدة و متنوعة تعزز من جودة الحیاة. كما كانت ھذه النظم أیضا شاھدة على بزوغ العدید من الحضارات التي أنشأت حولھا وإعتمدت علیھا في مجالات حیاتھا المختلفة. وفي ظل الكارثة المناخیة التي نشھدھا الیوم والتي لم یسبق لھا مثیل، فإن فوائد الأراضي الرطبة الساحلیة – التي یجھلھا أغلبنا- ھي حاسمة أكثر من أي وقت مضى في كفاحنا من أجل التكیف مع آثار تغیر المناخ. فالبحیرات والسھول الفیضیة – على سبیل المثال – ھي بمثابة إسفنجات طبیعیة. وھي تعمل كمناطق عازلة ضد الفیضانات وتمتص المیاه الفائضة الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر أو الأمطار الغزیرة والفیضانات النھریة، مما يمكن من انتشار المیاه بسلاسة في مناطق أوسع. وتساھم ھذه الوظیفة الھامة في تخفیض سرعة المیاه الزاحفة وعمقھا إلى مستویات أكثر أمانا، ما یحد بدوره من تأثیرھا السلبي على النظم الإیكولوجیة والبنى التحتیة البشریة.

وتعمل الأراضي الرطبة أیضا كحواجز تحمینا من العواصف المتكررة والمد والجزر. ولھذا فإن المستوطنات الساحلیة ذات الإدارة السیئة سوف تجد نفسھا في مرمى العواصف والفیضانات التي قد تضربھا بسھولة دون خطوط دفاع تحمیھا. كما أن للأراضي الرطبة دورا تلعبه خلال فترات الجفاف وذلك بتوفیرھا المیاه للناس وللزراعة من خلال افراجھا تدریجیا عن المیاه المخزنة. و تعتبر الأراضي الرطبة أیضا ملطفات مناخیة تساعد على خفض درجات الحرارة عن طریق تبخر المیاه الموجودة فیھا.

وتشكل المستنقعات المالحة ومروج الأعشاب البحریة بالوعات ھامة للكربون المسبب للاحتباس الحراري. فھي تعزل كمیات ھائلة من الكربون وتخزنھا، وتمثل بذلك عاملا مساعدا في الحد من الزیادة المتنامیة لغازات الدفیئة في الغلاف الجوي.

وعلى الرغم من مزایاها الإیجابیة المتعددة ودورھا الھام في حمایتنا من الآثار المناخیة السلبیة المتزایدة والتكیف معھا، إلا أن الأراضي الرطبة الساحلیة تعد من بین ضحایا تغیر المناخ. فنتیجة لتغیر أنماط الطقس، تتغیر بالتالي أنماط وصول المیاه إلى الأراضي الرطبة الساحلیة، مما یؤثر على الملوحة وإمدادات المواد المغذیة ونوعیة المیاه. وھو أمر من شأنه أن یقضي على بعض أھم الفوائد التي تقدمھا ھذه النظم البیئیة. إن ارتفاع مستوى سطح البحر سیكون المسمار الأخیر في نعش الأراضي الرطبة التي تتعرض بشكل متزاید لخطر التدمیر بفعل الاستغلال المفرط لمواردها اضافة إلى التوسع الحضري.

في مقالاتنا القادمة، سوف نتعمق في ھذه المواضیع بشكل أكبر ونوضح عواقب تغیر المناخ في العالم. كما سنطلعكم على جھودنا المبذولة من أجل حمایة الأراضي الرطبة الساحلیة وتعزیزھا من خلال أمثلة من مواقع مختلفة في البحر الأبیض المتوسط مثل خلیج أوریستانو في سردینیا (إیطالیا) و غار الملح (تونس) وملاحات أولسیني في الجبل الأسود، وغیرھا. ترقبوا جدیدنا!